الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة
.104- تحليل: 1- التعريف:التحليل في اللغة كما جاء في المعجم الوسيط، من حلَّل، يقال: حلَّل الشيءَ رَجَعه إلى عناصره، وحلَّل الدم، وحلَّل البول؛ ويقال حلَّل نفسية فلان: أي درسها لكشف خباياها. وفي الاصطلاح: لم يتكلم الفقهاء عن التحليل بالمعنى الذي نحن بصدده، لكن يتكلمون عن تحليل المسائل الفقهية والعلمية ودراستها وإرجاعها لأصولها. والمراد بالتحليل هنا: هو فحص وتحليل العينات التي تفيد في كشف الحقيقة، كتحليل الدم، والمني، والمواد المشتبه فيها، ونحو ذلك. 2- مشروعية التحليل: كل أمر يبين الحق ويظهره فهو مشروع في الشريعة الإسلامية، وفي عهد عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، ادعت امرأة على شاب أنه فعل بها الفاحشة، وقامت بوضع ماء البيض على ملابسها مدعية أنه مني الشاب؛ فقال عمر: يا أبا الحسن ما ترى في أمرهما، فنظر علي إلى ما على الثوب؛ ثم دعا بماء حار شديد الغليان، فصبه على الثوب فجمد ذلك البياض، ثم أخذه واشتمه وذاقه، فعرف طعم البيض وزجر المرأة، فاعترفت. وهذا نوع من أنواع التحليل لكشف الحقيقة. 3- حجية الإثبات بالتحليل: التحليل قرينة من القرائن لا تثبت به الحدود، سواء كان التحليل للدم، أو للبول أو للمني أو غير ذلك، لكن إذا ظهر من التحليل ما يدل على ارتكاب الشخص للفعل، كما لو ظهر في تحليل الدم مثلا ما يوحي بشرب الشخص للمسكر فإنه يعزر بعقوبة دون الحد، وذلك لأن الحدود تدرأ بالشبهات. 4- تعارض نتائج التحليل مع البينة: إذا تعارضت نتيجة التحليل الطبية والمخبرية مع بينة معتبرة شرعاً كالإقرار والشهادة، فالعبرة بالبينة الشرعية؛ كما لو جاءت نتيجة تحليل دم المشتبه فيه بشرب المسكر سلبية، لكنه اعترف بطوعه واختياره بشرب المسكر، فالعبرة بالاعتراف لأنه أقوى البينتين. .105- تداخل: 1- التعريف:جاء في لسان العرب: الدخول نقيض الخروج، دخل يدخل دخولاً وتدخل، ودخل به، وتداخل الأمور تشابهها والتباسها، ودخول بعضها في بعض. وفي الاصطلاح: عرفه الجرجاني رحمه الله، بأنه: عبارة عن دخول شيء في شيء آخر بلا زيادة حجم ومقدار. وعرفه الشيخ/عبد القادر عوده رحمه الله تعالى فقال: (إن الجرائم في حالة التعدد تتداخل عقوباتها بعضها في بعض بحيث يعاقب على جميع الجرائم بعقوبة واحدة، ولا يُنفذ على الجاني إلا عقوبة واحدة، كما لو كان ارتكب جريمة واحدة). 2- محل التداخل: ذكر القرافي في الفروق أن التداخل وقع في الشريعة في ستة أبواب، وهي الطهارات والصلوات والصيام، والكفارات، والحدود، والأموال. وذكر الزركشي في المنثور أنه يدخل في ضروب، وهي: العبادات والعقوبات والإتلافات. وذكر السيوطي أنه إذا اجتمع أمران من جنس واحد، ولم يختلف مقصودهما، دخل أحدهما في الآخر غالبا، كالحدث مع الجنابة. والذي يهمنا في هذا البحث هو تداخل الجنايات، وتداخل العقوبات، سواء كانت العقوبة حداً أو تعزيراً، وتداخل الديات. 3- ضابط التداخل: قال عبد القادر عودة رحمه الله: (تقوم نظرية التداخل على مبدأين: أولهما: أن الجرائم إذا تعددت وكانت من نوع واحد كسرقات متعددة أو زنا متعدد أو قذف متعدد فإن العقوبات تتداخل ويجزئ عنها جميعا عقوبة واحدة، فإذا ارتكب الجاني جريمة أخرى من نفس النوع بعد إقامة العقوبة عليه وجبت عليه عقوبة أخرى. والعبرة بتنفيذ العقوبة لا بالحكم بها؛ فكل جريمة وقعت قبل تنفيذ العقوبة تتداخل عقوبتها مع العقوبة التي لم يتم تنفيذها بعد. وتعتبر الجرائم على الرأي الراجح من نوع واحد ما دام موضوعها واحداً ولو اختلفت أركانها وعقوباتها، كالسرقة العادية والحرابة فكلاهما سرقة وإن اختلفت أركانهما وعقوباتهما، وكالزنا من محصن والزنا من غير محصن فكلاهما زنا، وفي هذه الحالة تكون العقوبة الأشد هي الواجبة؛ تعليل هذا المبدأ: وأساس هذا المبدأ أن العقوبة شرعت بقصد التأديب والزجر، وإن عقوبة واحدة تكفي لتحقيق هذين المعنيين فلا حاجة إذن لتعدد العقوبات ما دام المفروض أن عقوبة واحدة تكفي لإحداث أثرها وتمنع المجرم من ارتكاب الجريمة مرة أخرى، وإذا كان من المحتمل عقلا أن يعود المجرم لارتكاب الجريمة فإن هذا الاحتمال وحده لا يكفي ما دام لم يثبت قطعاً أن العقوبة لم تردعه، فإذا ثبت هذا بأن ارتكب جريمة فعوقب عليها ثم عاد لها بعد ذلك فقد وجب أن يعاقب على جريمته الأخيرة؛ لأنه قد تبين على وجه اليقين أن العقوبة الأولى لم تكن زاجرة ولا رادعة للجاني. ثانيهما: أن الجرائم إذا تعددت وكانت من أنواع مختلفة فإن العقوبات تتداخل ويجزئ عن الجرائم جميعا عقوبة واحدة بشرط أن تكون العقوبات المقررة لهذه الجرائم قد وضعت لحماية مصلحة واحدة، أي: لتحقيق غرض واحد، فمن أهان موظفاً وقاومه وتعدى عليه عوقب بعقوبة واحدة على هذه الجرائم الثلاث التي وضعت عقوباتها لغرض واحد هو حماية الموظف والوظيفة، ومن تناول ميتة ودما ولحم خنزير عوقب على هذه الجرائم الثلاث بعقوبة واحدة، لأن عقوباتها جميعا وضعت لغرض واحد هو حماية صحة الفرد والجماعة. والعبرة في التداخل بتنفيذ العقوبة لا بالحكم بها فكل جريمة وقعت قبل تنفيذ العقوبة تتداخل عقوبتها مع العقوبة التي لم يتم تنفيذها). 4- أقوال الفقهاء في تداخل الجنايات على النفس والأطراف: يرى فقهاء الحنفية أن الجنايات على النفس والأطراف إذا تعددت، لا تتداخل إلا في حالة اجتماع جنايتين على واحد، ولم يتخللهما برء. ويرى المالكية: أن الجناية على الطرف تندرج في الجناية على النفس، إن تعمدها الجاني، ما لم يقصد الجاني بجنايته على الطرف المثلة، فإن قصدها فلا يندرج الطرف في القتل, فيقتص من الطرف, ثم يقتل. ويرى الشافعية: أن الجناية على النفس والأطراف إذا اتفقتا في العمد أو الخطأ, وكانت الجناية على النفس بعد اندمال الجناية على الطرف وجبت دية الطرف. والحنابلة يرون: التداخل في القصاص في إحدى الروايتين عن أحمد فيما لو جرح رجل رجلا, ثم قتله قبل اندمال جرحه, واختار الولي القصاص, فعلى هذه الرواية ليس للولي إلا ضرب عنقه بالسيف. لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا قود إلا بالسيف», وليس له جرحه أو قطع طرفه؛ لأن القصاص أحد بدلي النفس, فدخل الطرف في حكم الجملة كالدية. والرواية الثانية: أن للولي أن يفعل بالجاني مثلما فعل، لقوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}.[سورة النحل آية 126]. أما إذا عفا الولي عن القصاص, أو صار الأمر إلى الدية لكون الفعل خطأ أو شبه عمد، فالواجب حينئذ دية واحدة; لأنه قتل قبل استقرار الجرح, فدخل أرش الجراحة في أرش النفس. 5- تداخل عقوبة جرائم الحدود إذا اجتمعت وهي من جنس واحد: جاء في المغني: (ومن زنى مرارا ولم يحد, فحد واحد؛ وجملته أن ما يوجب الحد من الزنا, والسرقة, والقذف, وشرب الخمر, إذا تكرر قبل إقامة الحد, أجزأ حد واحد. بغير خلاف علمناه. قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم, منهم عطاء, والزهري, ومالك, وأبو حنيفة, وأحمد, وإسحاق, وأبو ثور, وأبو يوسف. وهو مذهب الشافعي. وإن أقيم عليه الحد, ثم حدثت منه جناية أخرى, ففيها حدها. لا نعلم فيه خلافا. وحكاه ابن المنذر عمن يحفظ عنه. وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأمة تزني قبل أن تحصن فقال: «إن زنت فاجلدوها, ثم إن زنت فاجلدوها, ثم إن زنت فاجلدوها»، ولأن تداخل الحدود, إنما يكون مع اجتماعها, وهذا الحد الثاني وجب بعد سقوط الأول باستيفائه). 6- اجتماع جرائم الحدود التي ليست من جنس واحد: قال ابن قدامة: (وإن كانت الحدود من أجناس, مثل الزنا, والسرقة, وشرب الخمر, أقيمت كلها, إلا أن يكون فيها قتل, فإن كان فيها قتل, اكتفي به؛ لأنه لا حاجة معه إلى الزجر بغيره. وقد قال ابن مسعود: ما كانت حدود فيها قتل, إلا أحاط القتل بذلك كله. وإن لم يكن فيها قتل, استوفيت كلها, وبدئ بالأخف فالأخف, فيبدأ بالجلد, ثم بالقطع, ويقدم الأخف في الجلد على الأثقل, فيبدأ في الجلد بحد الشرب, ثم بحد القذف, إن قلنا: إنه حق لله تعالى, ثم بحد الزنا وإن قلنا: إن حد القذف حق لآدمي قدمناه, ثم بحد الشرب, ثم بحد الزنا). 7- تداخل العقوبات التعزيرية: إذا اجتمعت جريمتان أو أكثر موجب كل واحدة منها التعزير، فإن عقوباتها تتداخل كعقوبة الحدود التي هي حق لله تعالى، فلو أن شخصا سرق من غير حرز، واختلى بامرأة خلوة محرمة، وشهد شهادة زور، فهذه الجرائم الثلاث موجب كل واحدة منها التعزير لو انفرد بها، وكذلك إذا اجتمعت فإن القاضي يحكم على مرتكبها بعقوبة تعزيرية واحدة ولا يلزمه أن يقول حكمت عليه بكذا لجريمة كذا، وبكذا لجريمة كذا، هذا مع اختلاف نوع الجريمة، وأما مع اتحاد النوع بأن يسرق من غير حرز عدة مرات فالتداخل من باب أولى. 8- تداخل الديات: الأصل أن الدية تتعدد بتعدد الجناية، وإتلاف الأعضاء أو المعاني المختلفة إذا لم تفض إلى الموت. فإن قطع يديه ورجليه معا ولم يمت المجني عليه تجب ديتان. وإن جنى عليه فأذهب سمعه وبصره وعقله وجب ثلاث ديات, وهكذا. وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في رجل رمى آخر بحجر فذهب عقله وبصره وسمعه وكلامه فقضى فيه بأربع ديات وهو حي؛ لأنه أذهب منافع في كل واحدة منها دية, فوجب عليه دياتها كما لو أذهبها بجنايات مختلفة. أما إذا أفضت الجناية إلى الموت فتتداخل ديات الأطراف والمعاني في دية النفس فلا تجب إلا دية واحدة. وبناء على هذا الأصل اتفق الفقهاء في الجملة على أن الجناية على ما دون النفس إذا لم يطرأ عليها البرء والاندمال وكانت من جان واحد تتداخل مع الجناية على النفس. فإذا قطع يديه خطأ ثم قتله خطأ قبل البرء لا يجب على الجاني إلا دية واحدة. وكذلك إذا قطع سائر أعضائه خطأ ثم قتله خطأ, أو سرت الجناية على الأطراف إلى النفس فمات منها. كما اتفقوا على أنه تتداخل الأعضاء في منافعها، والمنافع في الأعضاء إذا كانت الجناية على نفس المحل, سواء أكانت مرة واحدة أم بدفعات مختلفة، إذا لم يطرأ عليها البرء. فإذا قطع أنفه وأذهب شمه لا تجب إلا دية واحدة, وإذا أذهب بصره ثم فقأ عينيه لا تجب إلا دية واحدة وهكذا. وسواء أحصلت الجنايتان معا أم بالتراخي بشرط أن لا يتخلل بينهما برء. وهذا إذا اتفقت صفة الجناية على النفس والأطراف في العمد والخطأ, وكانت الجناية في الأطراف بالقطع وإتلاف المعاني في محل واحد, ولم يطرأ على الجنايتين اندمال. وإذا طرأ البرء والاندمال بين الجنايتين على الأطراف, أو على طرف ومعنى من نفس الطرف تتعدد الديات. فإذا قطع أنفه واندمل ثم أتلف شمه تجب عليه ديتان. وإذا قطع يديه ورجليه ولم يسر إلى النفس واندملت تجب عليه ديتان, وهكذا. أما إن اختلفت الجناية صفة, بأن كانت إحداهما عمدا والأخرى خطأ, أو لم يكن محل الجنايتين واحدا, ولم يتخلل بينهما برء، أو كانت الجناية على طرف أو معنى لكنها سرت إلى طرف أو معنى آخر ففي هذه المسائل خلاف بين الفقهاء. .106- تزكية: (انظر: مصطلح: شهادة). |